رأي بقلم الأميرة لمياء بنت ماجد بن سعود آل سعود: اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. المساواة أساس نهضة وتقدم الأمم
يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر / كانون الأول من كل عام باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو تذكير لنا جميعًا بضرورة توفير فرص متساوية للجميع بصرف النظر عن الجنس والعرق والدين وغيرها من الخلفيات المختلفة للناس. إن المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه اليوم العالمي لحقوق الإنسان يتجسد بالمساواة في الحقوق بدءًا من حقوق الإنسان الأساسية ووصولًا إلى توفير فرص المساواة في تقبل التصورات والآراء والأفكار الثقافية والاجتماعية للجميع دون استثناء.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في خلق بيئة مزدهرة متساوية الفرص والحقوق لكل من الرجال والنساء، إلا أنه لا يزال أمامنا طريق طويل لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين. وفي ضوء التغير الكبير الذي يشهده العالم على مختلف الأصعدة، بات لدينا اليوم فرصة فريدة لتشكيل مستقبل الغد الذي يستحقه الجميع من خلال العمل على تفعيل استجابة اجتماعية واقتصادية من شأنها دعم وتمكين النساء والشباب في العالم.
وعلى هذا الأساس، تقع على عاتق المجتمع العالمي مسؤوليات وواجبات لتمهيد الطريق أمام إيجاد حلول قائمة على أبعاد استراتيجية متينة وراسخة تحارب كافة اشكال التمييز التي أدت إلى تهميش العديد من المجتمعات والأفراد الأكثر ضعفًا في العالم. بالتالي، فإنه يترتب علينا الالتزام بضرورة البحث عن الاحتياجات الحالية والمستقبلية للناس من منظور اجتماعي وثقافي واقتصادي. كما يتوجب علينا جميعًا العمل مع الجهات الدولية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان وتنبيه المختصين بملفات حقوق الإنسان وأهمية تفاعلهم مع آليات حقوق الإنسان وفهمها وبناء القدرات للتفاعل معها بما يضمن وضع إطار عام يلبي مثل هذه الاحتياجات والحقوق.
حقوق المرأة وأهميتها في تطور الأمم
لقد أقرت العديد من المؤسسات على المستوى المحلي والعالمي جدول أعمال وخطط تعترف بضرورة المساواة بحقوق النساء وتمكينهن نظرًا لأهميته في تطور الأمم. وإذا ما أردنا الحديث عن وضع حقوق النساء في عالمنا العربي، فنحن نشهد اتجاهًا متزايدًا وملحوظًا في تغيير نظرة المجتمع لحقوق المرأة وعلى كافة المستويات. وهنا أودّ أن أطرح مثالاً حيًا على هذا الاتجاه والذي يتمثل بما أقرته رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 والتي جاء في صميم أهدافها ضرورة مشاركة المرأة السعودية الكاملة على كافة الأصعدة واستثمار طاقاتها وتوفير مناخ يتلاءم معها وتقديم خدمات تسهل عليها القيام بواجباتها الوطنية، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتقليص الفجوة بين القوى العاملة من الجنسين، لتحقيق التوازن الاقتصادي؛ وهذا بدوره ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
إن المتتبع لواقع المرأة العربية والسعودية على وجه الخصوص خلال الفترة الماضية، يلحظ أن هناك جهود تشاركية على المستويين المحلي والدولي في تغيير النظرة التي كانت سائدة في السابق للمرأة حيث كانت العديد من الأدوار والمهن الوظيفية مقتصرة على الرجال. ونحن في مؤسسة الوليد للإنسانية ومن خلال تعاوننا مع مختلف المؤسسات الحكومية داخل المملكة والمؤسسات الدولية سعينا منذ البداية إلى تغيير النظرة المجتمعية لعمل المرأة انطلاقًا من إيماننا الراسخ بأهمية تمكين ودعم المرأة في كافة القطاعات. ومن أجل تحقيق ذلك، بادرنا إلى فتح باب التعاون والشراكات المثمرة مع مختلف الأطراف بما فيها هيئة حقوق الإنسان التي أطلقنا بالتعاون معها سلسلة من البرامج التدريبية، وذلك بهدف رفع مستوى الوعي القانوني وتعزيز حماية حقوق المرأة والشباب في المملكة العربية السعودية.
ينبغي على مختلف الجهات ومؤسسات حقوق الإنسان تعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة داخل المملكة وخارجها. وكجزء من مساهمتنا في تعزيز الاستقلال الاقتصادي والتمكين الاجتماعي والثقافي للمرأة، ومن خلال شراكتنا مع البرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ومؤسسة "جبل الفيروز"، نجحنا بدعم الحرفيين من النساء والشباب من خلال توفير مجموعة متنوعة من الفرص التجارية لبيع منتجاتهم لفنادق من فئة 5 نجوم.
كما أود الإشارة هنا إلى أن العمل في المجال القانوني في المملكة العربية السعودية كان مقتصرًا في السابق على الرجال دون النساء، وانطلاقًا من دورنا في التشجيع على تمكين النساء فقد أطلقنا في عام 2014 مبادرة "واعية" القانونية والتي تهدف إلى توعية النساء بحقوقهن القانونية. وفي عام 2020، وقعت مؤسسة الوليد للإنسانية مذكرة تعاون مع هيئة حقوق الإنسان من أجل تمكين المرأة والشباب، وبناء مؤشرات لدعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمرأة والطفل وفقًا للاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى دعم وتمكين المعنفات في المملكة نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وتدريب وتمكين المحامين والمحاميات التابعين لبرنامج (واعية) بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة.
إتاحة الوصول إلى الفرص المتساوية
أحدثت جائحة كوفيد-19 تحديات استثنائية شملت كافة قطاعات الحياة، وقد تركت أثرًا أكبر على النساء، وذلك من خلال الحد من فرص التعليم المباشر، والتأثير الاقتصادي، ومحدودية فرص العمل، وإمكانية الوصول إلى الموارد والصحة والرفاهية بشكل عام. وخلال فترة التعافي القادمة، فإن النساء قد يتعرضن لخطر الإجبار على الموافقة على ظروف عمل محفوفة بالمخاطر لا توفر لهم حماية اجتماعية كافية. وستكون النساء من المجتمعات المحرومة ومنخفضة الدخل أكثر فئة عرضة لهذه المخاطر. ومن أجل تجنب المزيد من تحديات الأزمات الاقتصادية في المستقبل، يجب أن نعمل معًا لتوفير فرص عادلة للفئات الأكثر ضعفًا والعمل على تغيير البيئات التي تميز بين الجنسين للوصول إلى إمكاناتهم الاقتصادية.
وعند الحديث عن المملكة العربية السعودية التي كان فيها فجوة كبيرة بعدد الإناث العاملات مقابل الرجال في بعض القطاعات، فقد خطت بالفعل خطوات كبيرة في هذا المجال. ففي عام 2021، أفادت الهيئة العامة للإحصاء في المملكة بانخفاض معدل البطالة الإجمالي للسعوديين (ذكورًا وإناثًا 15 سنة فأكثر) إلى 11.7% في الربع الأول من عام 2021 مقابل 12.6% في الربع الرابع من عام 2020. يأتي ذلك تماشيًا مع جهود المملكة في تنمية مهارات المواطنين من خلال توفير فرص التعلم من خلال دعم الابتكار وثقافة ريادة الأعمال والقوى العاملة السعودية كجزء من رؤية 2030. وبذلك، ارتفع معدل المشاركة الإناث من إجمالي القوى العاملة إلى 33.8٪.
دعم الفئات الأكثر حرمانًا
يشكل العنف ضد المرأة مشكلة موجودة في مختلف المجتمعات في العالم. وبحسب الدراسات ذات الصلة، فإن 35% من النساء في جميع أنحاء العالم يتعرضن لشكل من أشكال العنف. لسوء الحظ، تفاقمت هذه النسبة أثناء الجائحة. ويمكنني القول بأن هذه القضية ذات شقين، أولًا ينبغي علينا ضمان حصول النساء على الموارد المتاحة لتعزيز وصولهن إلى المساعدة وطلب المشورة القانونية. ثانيًا، يتوجب علينا العمل مع الهيئات المعنية لمحاربة المفاهيم المغلوطة والأسباب غير الواقعية المرتبطة بالعنف ضد المرأة. من خلال القيام بذلك، سيشجع هذا الاتجاه المزيد من النساء على طلب المساعدة وخلق حافز للتغيير الحقيقي بين المجتمع.
وفي الختام أودّ الإشارة إلى مشكلة اللاجئين والمهجرين بسبب النزاعات والحروب والكوارث الطبيعية في مختلف أنحاء العالم، وبالأخص النساء والأطفال حيث يتوجب علينا توفير الفرص التعليمية والاقتصادية لهم حتى يعيشوا مستقبلًا أفضل. معًا، يمكننا بناء الجسور لعالم أكثر تسامحًا وترحيبًا.