أهمية الوعي القانوني حول العنف الأسري
إن إيجاد حلول لمشكلة العنف الأسري يتطلب منا التطرق بعمق وتفصيل إلى مسبباته، وتكثيف جهود نشر الوعي حوله، وجعل المشورة والخدمات القانونية أكثر إتاحة لجميع المتضررات والمتضررين.
فقد كشفت إحصاءات منظمة الصحة العالمية عن أرقام مثيرة للقلق حول تعرض واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم لنوع من أشكال العنف، أغلبها مرتبط بالعنف الأسري من الشريك، والتي غالبا ما تؤدي إلى أضرار جسدية إلى جانب المشاكل النفسية، البعض منها للأسف ينتهي بالقتل أو الانتحار.
وعلى مدى السنوات الماضية، نجحت المملكة العربية السعودية في ترسيخ بيئة تعترف بالحقوق القانونية للمرأة، وتحسين جودة حياتها، ودعم ضحايا العنف الأسري. حيث اتخذت إجراءات صارمة للتصدي لجميع الانتهاكات ضد المرأة، مع سن عقوبات رادعة تتراوح من السجن إلى الغرامات المالية العالية لكونها سلوكيات لا مكان لها في هذا المجتمع. ومن بين هذه الإجراءات إنشاء وحدات الحماية الاجتماعية، إلى جانب إطلاق حملات توعوية واسعة النطاق على مستوى المملكة، بدءا من حملة "لا مزيد من الإساءة" في 2013 وهو العام الذي كانت فيها تشريعات تجريم العنف المنزلي قيد الدراسة. وبناء على ذلك، أطلقت مؤسسة الوليد للإنسانية مبادرة "واعية" في عام 2015 لدعم المرأة السعودية في مواجهة العنف الأسري وتعميق وعيها بحقوقها. وقد سجلت المبادرة أكثر من 42,200 مستفيدة من جهود التمكين القانوني إلى جانب تدريب وتأهيل محاميات سعوديات بالشراكة مع جمعية مودة (خلال السنة الأولى من المشروع) ومكتب فيصل الطايع للمحاماة.
إن ضمان التدخل في تطوير الخدمات في البيئات ذات الموارد المنخفضة أمر بالغ الأهمية. لذا لا تدّخر مؤسسة الوليد للإنسانية جهداً في تمكينها للمرأة، وقد تبنت المؤسسة عددا من القضايا المتعلقة بالعنف والجرائم الإلكترونية ضد المرأة في إطار مبادرة "واعية"، التي كانت الأولى من نوعها في المملكة عند إطلاقها. وتشير الأرقام إلى أن الفترة الأولية لجائحة كورونا في عام 2020، شهدت تعرض 243 مليون امرأة وفتاة حول العالم ممن تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما للعنف الجسدي.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت حالات العنف المسجلة ضد المرأة، لا سيما في المنزل. ومن أهم إنجازات مشروع "واعية" حتى عام 2021 مساندة المعنفات وتمثيلهن أمام القضاء والجهات المختصة كالشرطة والنيابة وحضور التحقيق ومتابعة قضاياهن. وقد نجحنا في تقديم الاستشارات القانونية المجانية من خلال تطبيق "واعية"، كما دربنا أكثر من 500 قانونية بالتعاون مع هيئة حقوق الإنسان ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إلى جانب العمل على أكثر من 350 قضية، وتقديم الدعم القانوني لـ 200 مستفيدة في قضايا متعددة.
ويمر العالم اليوم بمرحلة فاصلة في مجال حقوق الإنسان - وخاصة حقوق المرأة. ولا يزال الطريق طويلا على الرغم من الإصلاحات القانونية الواسعة النطاق على الصعيد العالمي خلال السنوات القليلة الماضية. لذلك جددت مؤسسة الوليد للإنسانية هذا العام مبادرة "واعية" لمواصلة نشر الوعي وتقديم المشورة القانونية، مع التركيز على المناطق النائية التي قد يصعب للنساء فيها إيجاد سبل التحدث عن حالاتهن.
ويتزامن إطلاق مبادرة هذا العام مع حملة الأمم المتحدة لتخصيص 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف الأسري. تحت شعار "توحيد الجهود من أجل إنهاء العنف ضد النساء والفتيات"، وهي حملة متعددة الأوجه من تنظيم مركز القيادة العالمية للمرأة لرفع مستوى الوعي حول النساء الأكثر عرضة للخطر لمدة 16 يوما من أصل 365 يوما.
وفي الختام أودّ الإشارة إلى أن النساء بحاجة إلى الشعور بالتمكين الحقيقي، وبأن قضاياهن تحظى بالاهتمام اللازم، حيث يؤدي عدم المبالاة المجتمعية إلى ضعف ثقتها بالمواجهة. وهنا تكمن أهمية مثل هذه البرامج المتكاملة والتي تتطلب اهتماماً وشجاعة لتشجيع المشاركة في المبادرات الحيوية من أجل عالم أفضل وخالٍ من العنف.