الحفاظ على التراث يدعم أهداف رؤية المملكة 2030
يرتبط تراث أي أمة مع هويتها بشكل وثيق، ليشكل جزءاً لا يتجزأ من نسيجها التاريخي والاجتماعي والحضاري، بالإضافة إلى غرس قيم الاعتزاز بالتاريخ لدى الأجيال القادمة. وفي السنوات الأخيرة، رأينا الأثر الكبير للحفاظ على التراث في مواكبة وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية.
ونظراً لأهميته الكبيرة في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، تلعب الحكومات لعب دور أكثر فاعلية في الحفاظ على التراث؛ بهدف تعزيز القطاع السياحي وخلق فرص العمل وتنويع مجموعة المهارات لسكانها. ويعتبر الحفاظ على تراث وإرث "العُلا" أحد الأمثلة على ذلك. وتشتهر منطقة العلا عالمياً بكونها من أهم ركائز التاريخ السعودي، وتستقطب اليوم المزيد من السياح لتشكل أحد روافد الاقتصاد الوطني. ومن المثير للاهتمام أيضاً كيف أن التراث بات يلعب دوراً أساسياً في التغلب على التحديات البيئية.
ووفق رؤية المملكة 2030، تعتبر الثقافة مكوناً رئيسياً في برنامج تحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين. ويتمحور عمل الحكومة حول انتقال المملكة نحو مستقبل أكثر حداثة واستدامة مع الحفاظ في الوقت نفسه على إرثها الحضاري. وأمام هذه الأهمية الكبرى للتراث، تواصل المملكة التركيز والتوسع في أنشطتها الثقافية على كافة المستويات.
لقد أدركت مؤسسة الوليد للإنسانية أهمية الحفاظ على التراث والثقافة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. بالتالي، فقد أسهمت من خلال مشاريعها وبرامجها الثقافية بتسليط الضوء على أهمية التراث والثقافة في تنويع النشاط الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتعزيز جودة الحياة لكافة المواطنين.
وأودّ الإشارة هنا إلى أن التراث ينطوي على مفهوم واسع ومتشعب. فنطاق المشاريع التراثية والثقافية يمكن أن يكون من خلال الأفراد أو على شكل مشاريع تنموية ضخمة تعمل عليها أطراف متعددة. وسواء كانت هذه المشاريع متناهية الصغر أو كبيرة فإنها تترك تأثيراً كبيراً على مسيرة التنمية الوطنية.
فعلى سبيل المثال، نحن نؤمن إيماناً كبيراً بالتأثير الشامل والواسع لتمكين النساء الحرفيات في المملكة العربية السعودية. فالحرف اليدوية التقليدية ضاربة في عمق التاريخ، وتُشكل أهمية كبيراً في الإنتاج المستدام. وتروي هذه الحرف اليدوية التقليدية، التي نشأت في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية، قصة التقاليد والحضارة المتنوعة لمختلف المناطق داخل المملكة.
وتعتبر الأعمال الفنية التقليدية داعماً رئيسياً في الاقتصاد الإبداعي، الذي يستفيد من استقطاب سوق العمل للمزيد من الحرفيين، وتسويق المنتجات الإبداعية، وتعزيز مهارات الجيل القادم. وفي إطار شراكة الوليد للإنسانية مع مؤسسة جبل الفيروز، نركز على ضرورة الحفاظ على أشكال الفن التقليدية، وتوفير منصات إبداعية للنساء، وخلق المزيد من الوسائل لضمان كسب دخل بشكل مستدام من خلال الحرف التقليدية. وقد أطلقنا في الآونة الأخيرة ورش عمل إبداعية في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، بهدف تقديم الدعم للحرفيات وتعزيز قدراتهن على الإنتاج والاستقلال الاقتصادي وتوفير دخل مستدام. وتلعب النساء دوراً مهماً بصفتهن "حارسات للثقافة" في الحفاظ على التقاليد السعودية من خلال أعمالهن الحرفية اليدوية التقليدية.
ومن أجل التنفيذ الحقيقي للأهداف المحددة في رؤية 2030، لا يمكننا التقليل من أهمية التعاون، إذ يمكن للأعمال الإنسانية أن تسهم في بناء جسور التواصل بين أصحاب المهارات، والموارد، والحكومات والمجتمع.
وفي هذا السياق، أصبحت المملكة العربية السعودية أول دولة عربية تنشئ مجتمعاً مكرساً للحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي والطبيعي، انطلاقاً من كون التراث مورداً غير متجدد، لهذا السبب، شهدنا جهوداً تشاركية بين المنظمات غير الحكومية والحكومية والمجتمع المدني في المملكة. فالتعاون عنصر أساسي وضروري لإحداث التغيير الهادف والمستدام. ونحن في مؤسسة الوليد للإنسانية نسعى دائماً إلى تعزيز كافة أوجه التعاون الثقافي مع مختلف الأطراف، فقد وقعنا في مارس 2022 شراكة مع وزارة الثقافة السعودية للمساهمة في تعزيز الجهود الهادفة إلى إثراء القطاع الثقافي في المملكة.
وباعتبارنا جزءاً فعالاً في المجتمع الدولي، نعمل وفق نهج جماعي بالتعاون مع مؤسسات وجهات دولية فاعلة. وفي الوقت الذي نعيش فيه وسط عالم يزداد ترابطاً وتقارباً أكثر من أي وقت مضى، أصبحنا نرى الإمكانات التي تتمتع بها المشاريع التراثية لتحقيق منافع عديدة ومتنوعة اجتماعياً وبيئياً واقتصادياً. وفي سياق مبادراتنا الأخيرة، أبرمنا شراكة مع هيئة تطوير منطقة عسير ضمن استراتيجيتها التطويرية "قمم وشيم". وينصب اهتمامنا على إعادة إحياء وترميم الأبنية التراثية المحلية، مع التركيز بشكل خاص على استخدام الأساليب المستدامة، إدراكاً منا بأنه لا يمكننا تجاهل احتياجات ومتطلبات بيئتنا في المشاريع التي نعمل عليها.
وأودّ التأكيد إلى أنه لا يمكن فصل التنمية الاجتماعية عن الازدهار الاقتصادي والبيئي. وتجسد الرياض المثال الأبرز على التأثيرات الإيجابية التي تقدمها جهود حماية التراث في صالح مكافحة التغير المناخي، حيث ضخت الحكومة في العاصمة استثمارات مهمة لترميم أبرز معالم التراث الثقافي والبنية التحتية للمدينة.
أمّا على الصعيد العالمي، تسعى الحكومات لمواءمة جهودها الإنمائية الدولية مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وضمان تضافر جهود أصحاب المصلحة الرئيسيين من القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية والمواطنين.
وفي الختام أودّ الإشارة إلى أنه ومن خلال ترسيخ التعاون وتشجيع الإبداع وإرساء التفاهم بين الثقافات، يمكننا مواصلة إحراز التقدم نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.