توظيف اللاجئين يعود بمكاسب للجميع
صاحبة السمو الملكي الأميرة لمياء بنت ماجد آل سعود،: كيف يُمثل دعم النازحين في خضم جائحة كوفيد-19 أهمية لم نشهدها من قبل. صاحبة السمو الملكي الأميرة لمياء بنت ماجد آل سعود، الأمين العام لمؤسسة الوليد للإنسانية، توضح في عمود خاص بأريبيان بزنس كيف يُمثل دعم النازحين في خضم جائحة كوفيد-19 أهمية لم نشهدها من قبل.
لم تعش أمتنا عصراً تشتد فيه الحاجة إلى التأكيد على أهمية توفير الفرص الاقتصادية للاجئين والنازحين أكثر من عصرنا الحالي، حيث سلطت الجائحة التي يُعاني منها عالمنا اليوم الضوء على أهمية الحيوية الاقتصادية بالنسبة للصحة الاجتماعية والسلامة الاقتصادية على جميع المستويات بالمجتمع، حيث علينا أن نسأل أنفسنا ونحن نعش هذا الأمر الواقع الجديد
- كيف يمكننا أن نبني مجتمع يحظى فيه الضعاف بمعيشة أفضل؟
تُشير بعض التقارير إلى الوضع الكارثي الذي أسفرت عنه تلك الجائحة على مجتمع اللاجئين والنازحين، وهو ما يتأتى بصورة كبيرة نتيجة انخفاض قدرتهم على الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية والاختبار فضلاً عن تعرض الكثيرون منهم لخطر الإصابة بالجائحة نتيجة للتكدسات السكانية. علاوة على ذلك، فقد أصبح العالم أجمع يُعاني من فقدان الوظائف، غير أن الضرر الأكبر جراء ذلك يقع على المجتمعات الأضعف؛ حيث أظهرت النتائج في مسح أجراه المجلس الدنماركي للاجئين أن نسبة العائلات التي لديها فرد واحد يعمل هي 3% من إجمالي العائلات السورية اللاجئة بالأردن، وذلك مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة حيث كانت 65%. وتُشير التقديرات إلى أن تلك الأرقام تُعبر كذلك عن الكثير من مجتمعات اللاجئين. ونظراً لعدم قدرة تلك المجتمعات الأضعف على الحصول على فرص عمل مناسبة، فإننا بذلك ندفع بتلك الفئة إلى مزيد من الفقر مع التأثير بصورة سلبية على الاقتصاد.
لا يمكننا أبداً أن نُغفل حجم الفوائد التي يُحققها توفير الفرص الاقتصادية للمجتمعات الأضعف للأفراد والمجتمعات بل وللدول المضيفة كذلك، حيث يُثمر التمكين من الوصول إلى أسواق العمل والأدوات التمويلية والموارد عن زيادة في الاعتماد على الذات والارتقاء بمستوى المرونة والاستقلالية بين مجتمعات اللاجئين والنازحين، وهو الأمر الذي يُسهم بدوره في خفض مستوى الاعتماد على المساعدات الإنسانية والإعانات فضلاً عن تعزيز الاندماج الاجتماعي، وهو ما يحقق النفع للجميع في نهاية المطاف: فبالنسبة للاجئين والنازحين، يصبحون أكثر قدرة على تحقيق الاستقلالية المالية وعلى الحصول على الخدمات فضلاً عن حماية استقرارهم النفسي؛ وبالنسبة للاقتصاد، يتحقق له النفع نتيجة توليد فرص العمل وزيادة حجم التجارة ومعدل الإنفاق.
استطاع اللاجئون والنازحون في جميع أنحاء العالم التعبير عن تفكيرهم الإبداعي والمبتكر وعن نهمهم في مجال ريادة الأعمال من خلال تنميتهم للأعمال الصغيرة بداية من تدشين تقنيات البلوكتشين بمعسكرات اللاجئين وصولاً إلى افتتاح المقاهي الصغيرة في جميع أنحاء أوروبا. وقد شهدنا كيف أسهمت تلك القنوات في خلق استيعاب ثقافي أكبر في جميع أنحاء العالم حيث استطاع الكثير من هؤلاء النازحين إضفاء روح تراثهم في العمل الذي يؤدونه بداية من الطعام الذي يعدونه وصولاً إلى شكل التطريزات على الملابس التي يبيعونها. وإنني لأؤمن أشد الإيمان بأن الانخراط مع الثقافات والمعتقدات الأخرى لهو أمر بالغ الأهمية في بناء عالم مزدهر تسوده روح التعاون.
ونحن نعلم ذلك بصورة مباشرة انطلاقاً من شراكتنا مع مؤسسة تركواز ماونتن حيث استطعنا تسخير إبداع النازحات من أفغانستان وميانمار في توفير الأدوات والدعم اللازمين لابتكار منتجات تعكس تراثهن. وتتمثل النقطة الأهم في أننا ساهمنا في عملية بيع تلك المنتجات مما ساعد في تمكين النساء عن طريق الارتقاء بمستوى استقلاليتهن الاقتصادية. ففي ميانمار على سبيل المثال نجد أن فرص العمل للنازحات ضئيلة جداً، غير أننا استطعنا التعاون معهن للحصول على طلبات على منتجاتهن نظراً لما يتمتعن به من مهارات إبداعية ولشغفهن. ولدينا مثال على ذلك؛ حيث كانت هناك حرفيتان ضمن برنامج "رواد أعمال الساعة لعام 2020" من مؤسسة تركواز ماونتن، وهما ما هتوي هتوي سو وداو سين فاي كين، دون وظيفة وتعانيان بحثاً عن عمل بعد أن هربتا من الصراعات. وبفضل ما تمتعتا بها من مهارات وشغف في مجال الحياكة، استطاعتا كسب عيشهما حتى في خضم هذه الجائحة من خلال عملهما من المنزل، وهما يعملان الآن في صناعة منتجات حريرية لأحد الفنادق الخمس نجوم.
ولم تكن تلك سوى قصة واحدة من قصص كثيرة ملهمة للحرفيات من مجتمعات النازحين واللاجئين. وأخيراً وليس آخراً، فإن توفير تلك الفرص الاقتصادية تُسهم في الارتقاء بمستوى العائلات والمجتمعات حيث تمنح اللاجئين والنازحين القدرة على رسم معالم مستقبلهم وتنمية مهاراتهم وتحقيق شغفهم مع ضمان الاستقرار المالي لهم ولأسرهم.