بناء الجسور بين الثقافات، وبناء المستقبل: دور الحوار الثقافي في التنمية المستدامة


يُصادف يوم 21 مايو اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، وهو مناسبة عالمية تحتفل بغنى الثقافات البشرية والقوة التحويلية للحوار بين الثقافات. وقد أعلنت الأمم المتحدة هذا اليوم في عام 2002 ليكون تذكيرًا مهمًا بأن الثقافة ليست قضية هامشية في التنمية؛ بل هي جوهرية لبناء مجتمعات أكثر سلمًا وعدلًا واستدامة.
وفي وقت يواجه فيه العالم تحديات معقدة، من النزاعات والاستقطاب إلى تغيّر المناخ وعدم المساواة، بات تعزيز الفهم الثقافي ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى. فالثقافة، بجذورها العميقة في الهوية والتعبير، تقدّم وسيلة قوية لتجاوز الانقسامات، وتوليد حلول إبداعية، وتعزيز القيم المشتركة. كما أنها عنصر أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما تلك المتعلقة بالتعليم، وبناء السلام، وتطويرالمؤسسات الشاملة.
في مؤسسة الوليد للإنسانية، نؤمن بأن التنوع الثقافي ليس مجرد أمر يجب الاعتراف به؛ بل يجب العمل على دعمه ورعايته بشكل فعال. ومن خلال شراكات طويلة الأمد ومبادرات مستقبلية، نسعى على بناء منصات يزدهر فيها قيم الحوار، ويتعمق فيها التعاطف، ويتوسع فيها نطاق الفهم.
ومن بين هذه المنصات، شبكة الوليد الثقافية، وهي تعاون عالمي يجمع مؤسسات أكاديمية وثقافية من ثلاث قارات. تعمل الشبكة على تعزيز الشراكات بين الثقافات، والابتكار الرقمي، والمشاركة المجتمعية من خلال التعليم، والمعارض، والبحوث. ومن بين أعضائها: جامعة هارفارد، وجامعة جورجتاون، وجامعة كامبريدج، وجامعة إدنبرة، وجامعة نيويورك أبوظبي، والجامعتان الأمريكيتان في بيروت والقاهرة، ومتاحف جامعة أكسفورد بما فيها متحف تاريخ العلوم ومتحف بيت ريفرز، ومتحف الفن الإسلامي في برلين، ومؤسسة جبل الفيروز.

تعزيز الفهم من خلال التعليم والفن
تُدرك شبكة الوليد الثقافية قوة التعليم، والفن، والثقافة في تعزيز التفاهم بين الثقافات. ومن هذا المنطلق، نظّمت شبكة الوليد الثقافية سلسلة من الفعاليات عبر الإنترنت بمشاركة خبراء من مختلف مجالات الثقافة والفنون، بهدف الجوانب المعقدة لمجتمعنا العالمي. تجمع هذه الفعاليات بين ألمع العقول العاملة في تقاطعات التراث والهوية والابتكار.
وبالإضافة إلى ذلك، تُقدّم الشبكة دورات إلكترونية مجانية ومتاحة للجميع، تتمحور حول الثقافة، ما يضمن إتاحة المعرفة والفهم على نطاق واسع، بغض النظر عن الخلفيات أو المواقع الجغرافية.

ثروة من الموارد
تضم شبكة الوليد الثقافية منصة رقمية ديناميكية تُعد مركزًا للموارد المتعلقة بالثقافة العالمية والدين والفنون. وتتيح هذه المنصة للزوار الوصول إلى مجموعة غنية من المواد المفتوحة، بما يشمل منشورات بحثية، ومعارض رقمية، وفعاليات افتراضية، ومحتوى وسائط متعددة. وبحلول عام 2023، أصبحت المنصة تستضيف ما يقارب 100 مورد فردي، ما يجعلها وجهة ثرية لكل من يسعى إلى توسيع آفاقه الثقافية.
بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، نظّمت شبكة الوليد الثقافية بنجاح فعاليتين مباشرتين تعاونيّتين، وتتوفر تسجيلاتهما بسهولة على الموقع الإلكتروني، ما يضمن الوصول الواسع إلى مناقشات ورؤى قيّمة. وتعكس هذه الشراكات الجهود المستمرة التي تبذلها الشبكة لتوسيع نطاق تأثيرها وانتشارها من خلال التعاون العالمي.

إنجازات وتوسّع
في عامي 2023 وبداية 2024، دعمت شبكة الوليد الثقافية 88 طالب دراسات عليا ونظّمت 16 فعالية ثقافية، وشهدت نموًا ملحوظًا في التفاعل الرقمي والحضوري، حيث تجاوز عدد المشاركين 400,000 شخص. كما تعاونت مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لتنظيم فعاليتين مباشرتين، أصبحت تسجيلاتهما متاحة على موقع الشبكة، مما يعزز انتشار النقاشات والرؤى الثقافية على نطاق عالمي.
في إطار تعزيز عروضها المتعددة الوسائط، أطلقت شبكة الوليد الثقافية سلسلة فيديو تعاونية بعنوان "لحظات متحف ملتقى"، تم تطويرها بالشراكة مع ملتقى برلين وملتقى أكسفورد، تُسلّط الضوء على التأملات الشخصية والمهنية لأولئك الذين يستخدمون المتاحف كمساحات للحوار والاندماج.
وتماشيًا مع التزامها برفع مكانة الفن الإسلامي عالميًا، قادت الشبكة أيضًا حملة كبرى للترويج لليوم الدولي للفن الإسلامي الذي تنظمه اليونسكو، مُبرزةً عمق وتنوع التراث الاسلامي عبر الثقافات والقارات.

الابتكار المتحفي والمشاركة المجتمعية
أما في برلين، فإن متحف الفن الإسلامي يخضع حاليًا لعملية تجديد وتوسعة كبيرة استعدادًا لافتتاح معرض دائم جديد في عام 2027، سيعرض أكثر من 1,100 قطعة فنية. ويهدف المشروع إلى دعم أعمال الترميم والتوسعة داخل متحف بيرغامون، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي العام من خلال برامج التعليم المدرسي وتدريب القادمين الجدد ليصبحوا مرشدين سياحيين في المتحف. وفي عام 2024، دعم المتحف 18 مرشدًا من برنامج ملتقى، ووصل إلى 1,500 لاجئ من خلال برامجه الشاملة.
بدأت جهود التجديد بأعمال البناء وترميم القطع الفنية استعدادًا للمعرض الدائم المستقبلي. وبالتوازي مع ذلك، يعمل المتحف على تطوير خطط شاملة لتضمين ذوي الإعاقة وتسهيل الوصول، بما في ذلك ممر للمكفوفين وتجارب متعددة الحواس لضمان توفير تجربة ميسّرة للجميع. وشملت مبادرات التفاعل المجتمعي برامج تعليمية في المدارس ومنتديات اجتماعية أخرى، في حين وصل مشروع ملتقى إلى أكثر من 1,500 مشارك من خلال الجولات الإرشادية وورش العمل.
وتُكمّل المنصة الرقمية للمتحف، Islamic-art.com، هذه المهمة من خلال وحدات تعليم إلكترونية، وجولات افتراضية بزاوية 360 درجة، ومحتوى متعدد اللغات يجعل الفن الإسلامي متاحًا عالميًا. ففي عام 2024 وحده، استقبلت المنصة 437,000 زائر عبر الإنترنت، وقدّمت مواردها التعليمية لـ 3,515 طالبًا.
في أكسفورد، يستخدم مشروع ملتقى-أكسفورد، القائم في متحف تاريخ العلوم ومتحف بيت ريفرز، المجموعات الثقافية لبناء المجتمع، لا سيما بين اللاجئين والعائلات التي أعيد توطينها حديثًا. ومنذ انطلاقه، شارك أكثر من 8,000 شخص – أكثر من 5,500 منهم في عام 2023 فقط – في معارضه وورش السرد القصصي والفعاليات التفاعلية التي تركز على الفن الإسلامي والثقافة المادية.
وفي متحف اللوفر في باريس، فرنسا، شهد قسم الفن الإسلامي تحوّلًا ملحوظًا من خلال إنشاء مساحات تعليمية ومعارض جديدة. وتُعد ابتكارات مثل "خزانة المفاتيح"، التي تستخدم أدوات السرد والتفسير، وسيلة فعّالة لإبراز غنى التراث الإسلامي أمام ملايين الزوار الدوليين.

الثقافة كقوة ناعمة وجسر نحو المستقبل
معًا، تُظهر هذه المبادرات أن الثقافة ليست مجرد حفظ للتراث؛ بل هي إمكانيات. إنها قوة ديناميكية تبني الجسور حيث توجد الفجوات، وتفتح القلوب والعقول حيث يسود سوء الفهم. إنها وسيلة للتعاطف، والابتكار، والتعاون العالمي.
وفي هذا اليوم العالمي للتنوع الثقافي، نتذكر أن احتضان اختلافاتنا ليس تحديًا؛ بل هو أعظم فرصة لتعزيز الحوار ودعم الشمولية، لنُمهد الطريق لعالم أكثر ترابطًا ومرونة وسلامًا. في مؤسسة الوليد للإنسانية، نظل ملتزمين بهذه المهمة، ونعمل عبر الحدود والتخصصات لتحويل الفهم الثقافي إلى أثر مستدام.