تمكين المرأة والشباب

القيادة الملهمة في العمل الإنساني

صاحبة السمو الملكي الأميرة لمياء بنت ماجد آل سعود
الأمين العام لمؤسسة الوليد للإنسانية

لم يكن العمل الإنساني مجرد كرم أو عطاء مادي، بل أظهرت النساء فيه قدرة فريدة على القيادة وإحداث أثر عميق، وأسهمن من خلال خبراتهن في تأسيس مبادرات ومؤسسات ركّزت على بناء مجتمعات أكثر عدلًا واستقرارًا، محققات حلولًا طويلة الأمد تجمع بين التأثير والاستدامة.

في المملكة العربية السعودية، يشهد القطاع الخيري في السنوات الأخيرة نموًا غير مسبوق، انعكاسًا للتحولات الكبرى التي يشهدها الوطن ضمن رؤية 2030. فمنذ عام 2022، ارتفع عدد الكيانات غير الربحية بنسبة 73%، مما أوجد مساحة جديدة للتجربة، والابتكار، وفتح آفاق واسعة للقيادة النسائية، مزودًا برؤى جديدة تقودها النساء في مجالات حيوية مثل التعليم، الصحة، تمكين المرأة، وحفظ التراث الثقافي. "تاريخيًا، كانت مساهمة المرأة السعودية في العمل الخيري غالبًا ما تقتصر على الدعم غير المباشر في إطار الأسرة، أما اليوم فقد أصبحت المرأة تقود مبادرات كبرى وتُحدث تأثيرًا واسعًا يتجاوز الحدود المحلية."

قبل أن يتبلور العمل الخيري المؤسسي في صورته الحديثة، كانت النساء في المنطقة العربية في طليعة التغيير. ففي مصر في القرن التاسع عشر، برزت الأميرة فاطمة إسماعيل كنموذج استثنائي لكسر التقاليد الاجتماعية، حيث قدمت دعمًا تاريخيًا لتأسيس جامعة القاهرة، بل تبرعت بأرض شاسعة وأموال ومجوهراتها الخاصة لإنشاء كلية الطب، لتفتح الباب أمام تعليم المرأة في مجال كان مخصصًا للرجال. وفي السعودية، تبقى الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، شقيقة المؤسس الملك عبدالعزيز، إحدى أبرز رموز القيادة النسائية. فقد كانت شخصية استثنائية جمعت بين الحكمة والاستقلالية، وأسست أحد أوائل المستوصفات النسائية في الرياض، ودفعت بقوة نحو تعليم المرأة ورعايتها الصحية. إرثها اليوم حاضر في مؤسسات تحمل اسمها، والأهم أنه يعكس التحول الثقافي الذي أسهمت فيه: الاعتراف بدور المرأة كشريك حقيقي في بناء المجتمع.

لم تقتصر النماذج الملهمة على السعودية ومصر، بل امتدت لتشمل الخليج فقد اسهمت الشيخة موزة بنت ناصر من قطر دورًا بارزًا في إعادة تعريف مفهوم العمل الإنساني عبر مشاريعها التعليمية والتنموية، خصوصًا في دعم الفئات الأكثر احتياجا واللاجئين. أما الشيخة فاطمة بنت مبارك في الإمارات، المعروفة بلقب "أم الإمارات"، فقد وضعت بصمة عميقة في مجالات صحة الأمومة، رعاية الطفل، وتمكين المرأة، حتى أصبحت أيقونة في جعل الرحمة والرعاية محورًا للتنمية الوطنية. وفي لبنان، قدمت ليلى الصلح نموذجًا آخر من خلال قيادتها لمؤسسة الوليد للإنسانية (لبنان)، حيث ركزت جهودها على محاربة الفقر، ودعم الصحة والتعليم، وإرساء مبادرات لدعم الفئات الأكثر احتياجا. وقد تم بدمج البعد الإنساني مع الرؤية الاستراتيجية، ما جعل عطائها أكثر استدامة وفاعلية.

اليوم، تبرز أسماء سعودية رائدة في العمل الخيري مثل صاحبة السمو الملكي الأميرة الأميرة عادلة بنت عبدالله، التي كرّست جهودها لتمكين المرأة عبر التعليم وريادة الأعمال، وسعت لتعزيز الوعي الصحي، وحماية المرأة قانونيًا. أما صاحبة السمو الملكي الأميرة الأميرة موضي بنت خالد آل سعود، فهي من الأصوات الرائدة في العمل الخيري السعودي، عُرفت بريادتها في تمكين المرأة ودمج ذوي الإعاقة والابتكار الاجتماعي، وأسهمت في مبادرات غير ربحية تجمع بين الاستراتيجية وقياس الأثر، معبرة عن دور النساء المتزايد كمحركات للتنمية الوطنية. .في ظل رؤية المملكة 2030، يتزايد عدد النساء اللائي يؤسسن ويدرن مبادرات خيرية تهدف إلى مكافحة الفقر، والحفاظ على التراث، وتعزيز الابتكار الاجتماعي، حيث تتجاوز قيادتهن تعزيز ثقافة العطاء لتشمل حلول استراتيجية تدعم التحول الوطني المستدام.

يلعب القطاع غير الربحي دورًا محوريًا في سد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية. وتشير الأرقام إلى أن 61% من القوى العاملة في هذا القطاع تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا، وهي شريحة يغلب عليها الحضور النسائي. هذا يعكس ليس فقط تنامي مشاركة المرأة، بل أيضًا دورها في صياغة مستقبل العمل الخيري ليكون اَلية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي.

"النساء يتبعن أسلوبًا مختلفًا في العطاء؛تعاونّ ويعطين اهتمامًا خاصًا، ويركزن على حلول طويلة الأمد بدل الاعتماد على المساعدات المؤقتة." تركز القيادات النسائية في العمل الخيري عادة على التكامل والاستدامة وتلبية احتياجات المجتمعات. وتشير الدراسات إلى أن النساء أكثر استعدادًا بنسبة 40% من الرجال لدعم البرامج التي تستهدف النساء والأطفال، ويميلون غالبًا إلى تبني حلول طويلة الأمد بدل المساعدات المؤقتة.

لتعزيز أثر العمل الخيري، من الضروري الاستثمار في المبادرات النسائية، وتعزيز مشاركتهن الفاعلة، وإبراز الدور المؤثر الذي تلعبه .النساء في إحداث الأثر في المجتمع لقد أثبتت النساء، في السعودية والعالم العربي والعالم أجمع، أنهن يحوِّلن العمل الخيري من مبادرات مؤقتة إلى جهود تنموية متكاملة. وبتنامي مشاركتهن في القيادة وصناعة القرار، فإننا لا نشهد فقط تمكين المرأة، بل نشهد بناء مجتمع أكثر عدلًا، وازدهارًا، وإنسانية. إن القيادة النسائية في العمل الخيري ليست استثناءً، بل هي قاعدة تتأكد يومًا بعد يوم، لترسم ملامح مستقبل أكثر إشراقًا يقوم على التكامل، الرحمة، والمسؤولية المشتركة.